لا تستسهلوا الكبت وتجعلوه بديلا عن تحصين الوعي واحترام الذات

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
08/12/2010 06:00 AM
GMT



نحن نعيش في عصر يقتني فيه رجال الدين الموبايلات ويركبون الطائرات وربما يغسلون شعورهم بالشامبو، ولكنهم يأخذون وينتقون من الحضارة ما يريدون ويشتهون ويدعون.. ثم يلعنون هذه الحضارة بأدوات هذه الحضارة فيشتمون الفرنجة بآلة الفرنجة... وهذا ليس من العدل ولا من المنطق في شيء..... ولا نحتاج هنا إلى التذكير بالعُقَد والإحباطات التي أصبح يعاني منها الإنسان العربي بعد أن لم يعد، مع الأسف، يجد ما يواجه به انتهاكات وعجرفة الآخر المتفوق تكنولوجياً وفكرياً، غير مزيد من الانغلاق والكبت وتفعيل ثقافة العيب التي تُكبّله بطريقة معكوسة، بحيث أصبح ما هو عيب فعلاً، كالسرقة والتزوير والكذب، مسموحاً به في كل مكان، فلا يمكنك تمشية معاملة صغيرة أو كبيرة مثلاً في جميع محافظات العراق، بدون أن تدفع رشوة لامرأة (قد) تضع الحجاب على رأسها ورجل (قد) يؤدي الصلوات الخمس ولكن لا أحد يفكر بالربط بين تفشي ظاهرة الفساد وازدياد مظاهر التدين (ولا أقول الدين بالتأكيد، لأن الدين يختلف عن التديّن، وهو براء مما يفعلون).. إلا عندما يصل الأمر إلى الأطفال المساكين فنرى المجتع، متمثلاً بهذا الرجل المحبط ، يستقوي عليهم وعلى براءتهم ليستكمل حلقة تدمير المجتمع الذي كان أول المستهدفين من حرب بوش وأعوانه المتحضرين.. فاستحق تشبيهه بفرعون العصر، إذ هو بالتأكيد لم يشن حربه خوفاً على أطفال العراق ولكن خوفاً منهم..

إن الطفولة في العراق تُوأَد من جديد بمنظر لا يسر عدواً ولا صديقاً عندما نرى طفلة بعمر الزهور قد تم تكفينها بالحجاب في حياتها، بل تحويلها إلى كائن جاهل مستلب مشوه الإرادة لا يعول عليه في اختيار مسارات صحيحة لحياته وحياة أسرته في المستقبل.. وأي مستقبل هذا لمن تربت على احتقار ذاتها وهويتها والنظر إليها كبعبع ينغص عليها حياتها السوية؟. وبدلاً من أن تبادر وزارة التربية إلى دراسة هذه الظاهرة المؤلمة في المدارس الابتدائية، تتململ على ما يبدو لترك الحبل على الغارب لمن ينادي بفصل الإناث عن الذكور في المدارس الابتدائية.. وذلك هو على ما يبدو أتعس ثمرات الحرية التي ستخلق جيلاً مليئاً بالعقد لا ينظر إلى المرأة إلا على أساس مريض وغير سوي، فهي مقدمة إليه على أساس أنها مخلوقة للمخدع وليس لشيء آخر مع الأسف، فإذا تربى هذا الطفل على هذه النظرة المشوهة فإلى ماذا ستتحول إذا كبر؟ إن هذا القرار وإن كان ليس اجبارياً بل هو قرار اختياري، إلا أنه قد يتوسع على طريقة العملة الرديئة التي تطرد العملة الجيدة ليؤشر مرحلة خطيرة من مراحل التراجع إلى الجاهلية التي سبقت الإسلام، هذا الدين الثائر الذي جاء ليمنح المرأة حقوقاً ما كانت لتخطر على بال الرجال، وليقول إن النساء شقائق الرجال، كونهما خُلقا من نفس واحدة، وإن للمرأة الأهلية للإرث والتملك والتصرف بأملاكها والتعليم واتخاذ القرار في شؤون حياتها من زواج وطلاق، بل إن الإسلام جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. وكانت نساء النبي من أمهات المؤمنين يشاركن في جميع مجالات الحياة ويتحدثن في أدقّ خصوصيات الحياة ويشرحن تفاصيلها..

ولكن بعض رجال الدين يفضلون دائماً، ومع الأسف، اللجوء إلى الحل الأكثر ظلاماً وتشدداً، وليس الأكثر انفتاحاً وتسهيلاً! وتخيلوا مع مضي التاريخ وتواتر الحقب كم من الحلول التي أفتى بها (الرجال) قد تراكم، وتحول من مظلم فاتح اللون إلى مظلم غامق اللون (وهو ما يسميه محمد أركون بالجهل المؤسَّس)، وما يعبّر عنه قاسم أمين، في كتابه "تحرير المرأة"، بالقول: "تجده دائما يختار من فكرين أقلهما صوابا، ومن طريقين أصعبهما، ومن عملين أضرهما".

إن انتقاد هذه المظاهر لا يأتي من اعتدال الدين الإسلامي وسماحته وعنايته بالعدالة فحسب، ولا من اعتدال ووسطية العراقيين حسب، وإنما من إعمال العقل والحس السليم الذي يقول كيفما تنظر إلى الشيء يكون هذا الشيء، فإذا نظرت إليه ببراءة يكون بريئاً وإذا نظرت إليه بنجاسة يكون نجساً. وإن هذا الهوس العربي المَرَضي بموضوع الجنس هو الذي يريد أن يتعامل أيضا مع الطفولة من وجهة نظر جنسية فتُكبح براءتها تحت العباءة والفصل والعزل بجريرة رجل غير بريء لا يستطيع السيطرة على شهواته. فبدلاً من تحصين ثقافة الإنسان وتربيته على احترام الآخر والذات ونشر الوعي بالقوانين الرادعة ضد التحرش والاعتداء ومعاقبة الرجل المعتدي على توحش أهوائه وغرائزه، تتم معاقبة الأطفال بتفعيل ثقافة العيب التي تُكمِّم أفواههم وتحجب النور عن عقولهم الغضة.

ألا يعلمون أن الخوف من الوضع الطبيعي الذي جبل الله سبحانه وتعالى عليه البشر سيقود إلى ظواهر منحرفة وشاذة تعاني منها اليوم بعض البلدان التي أدى انغلاقها على نفسها إلى ازدهار ظاهرة الشذوذ والمخنثين والمسترجلات؟ مع كل هذا، لا نحب هنا استعمال كلمة(منع)لوقف هذه الظاهرة، ولكننا نطالب وزارة التربية باجراء البحوث والدراسات لتلمُّس أثر ما يمكن أن تؤدي إليه مثل هذه الظواهر من عقد تربوية وأمراض نفسية قد تحول بين الأطفال وبين الحياة السوية في المجتمع؟ فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة المدى بأن نسبة كبيرة من أولياء الأمور أغلبهم كانوا من مدينة الصدر نفسها قد عارضوا هذا القرار(73 % يعتبرون القرار غير صحيح 45 % يعتبرون اسبابه دينية و32 % سياسية "انتخابية" و23 % تربوية 70 % يعتبرون القرار مؤثرا في العلاقات بين الجنسين مستقبلا و67 % يرون التأثير الحالي سلبيا . 65 % يعتبرون القرار انتهاكا لحقوق الانسان... في استبيان اجراه مركز المدى لاستطلاعات الرأي العام عن قرار فصل الاناث عن الذكور في المدارس الابتدائية الذي طبق في مدينة الصدر شمل 212 عينة من التربويين والمختصين في الشأن التعليمي والبحث الاجتماعي وأولياء امور الطلبة).

ونستغرب كيف يستقيم الأمر أن تكون وزارة التربية ضالعة في تشويه وعي طفل أو طفلة لم تبلغ سن الرشد بعد، فتربّيها أو تربيه على التشدد والتطرف؟.. وكيف سننجو بهذه العقول الصغيرة من التعقد والتشاؤم والغلو إذا كنا نضعها في مثل هذا القيود وهي ما زالت في سن اللعب والمرح والانطلاق؟